التحلي بمكارم الأخلاق
قال الله تعالى في حديثه القدسي:«ما أقلَّ حياء من يطمع في جنتي وهو يعصيني! كيف أجود برحمتي على من بخل بطاعتي»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ».
أمرنا دينَنا الحنيفَ بالتحلي بمكارِمِ الأخلاق، كما حثنا على التمتع بعظيمِ الصفات، وجميل الشمائل والخصال، ومن الصفاتِ الحميدةِ التي يُرْشِدُنا إليها صفةُ الحياءِ التي اتَّصف بها جميع الأنبياء عليهم السلام جميعاً، وتَخَلَّقَ بها ورثة الأنبياء، وخير من اتصف بالحياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال عنه أبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ رضي الله عنه: «كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ في خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ في وَجْهِهِ».
والحياءُ خُلُقٌ كريمٌ في نفس المؤمن، يدعوه إلى فعلِ الخيرِ، وينأى به عن صغائر الأمورِ، كما يقودُه إلى العلا ويترفع به عن الدنايا، ولهذا كان الحياءُ رأسَ الأخلاقِ كُلِّها، وأعلاها فضلاً، وأكرمَها منزلةً، وأرفَعَها عندَ اللهِ مكانةً، لأنه بَشيرُ كُلِّ خيرٍ، ومفتاح كُلِّ بِرٍّ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْحَيَاءُ لاَ يأتي إِلاَّ بِخَيْرٍ».
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: مكارمُ الأخلاق عشَرةٌ: صدقُ الحديثِ، وصدقُ البأس، وأداءُ الأمانةِ، وإكرامُ الجار، وَصِلَةُ الرَّحِمِ، والمكافأةُ بالصنيع، وبذلُ المعروفِ، وحفظ الذمامِ للصاحب، وَقِرَى الضيف «ورأسُهُنَّ الحياءُ». وقالت أيضا: نِعْمَ النساءُ نساءُ الأنصارِ، لَمْ يمنعهُنَّ الحياء أن يسألنَ عن أمرِ دينِهِنَّ، وفي الصحيحين عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِى طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هي احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ ». أي تأكدت من خروج المنيِّ.
وقال العلماء إن الحياءَ يكونُ من اللهِ ويكونُ من الناسِ، ويكونُ من النفسِ، يقول الماوردي: الحياءُ في الإنسان ثلاثة أوجه: أحدها حياؤه من الله، والثاني حياؤه من الناس، والثالث حياؤه من نفسه، فأما حياء الإنسانِ من اللهِ فيكون بامتثالِ أوامرهِ واجتنابِ نواهيِه والكَفِّ عن زواجره، وهذا يكون في صحة الدين وقوة اليقين.
فقد روى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ». قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَسْتَحْيِى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ».
وأما حياء الإنسان من الناس فيكون بكف الأذى عنهم، وبتحمل أذاهم، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن فلاناً جاري يؤذيني، فقال: «كف أذاك عنه، واصبر على أذاه»، فلم يلبث إلا يسيراً حتى جاء فقال: يا رسول الله، إن فلاناً جاري الذي كان يؤذيني قد مات، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالدهر واعظاً، وكفى بالموت مُفَرِّقا». وأما حياء المرء من نفسه: فيكون بالعِفَّةِ، وصيانةِ خلواتهِ، ومراقبتِهِ لله سبحانه وتعالى مستحضراً قول الله عز وجل:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ).
وخلقٍ الحياء يَجْعَلُ صاحبَهُ في دُنيا الناس مهيباً وقوراً، ويجعلُه يوم القيامة من عباد الله المكرمين، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائشةُ، لو كان الحياء رجلاً كان رجلاً صالحاً، ولو كان الفحش رجلاً لكان رجل سوء».
دمتم في حفظ الباري ورعايته